أهديكم يا أحبائي الصغار هذه القصة القصيرة ، وهي رسالة من الطفل ماجد إلى أمه المريضة ..
أتمنى أن تجدوا فيها الفائدة و الموعظة ..
" أُمّي الجميلةَ ..
قرّرتُ
أنْ أكتبَ إليكِ اليومَ هذهِ الرسالةَ وأنا أُدركُ تماماً أنّكِ قدْ لا
تجدينَ فرصةً لقراءةِ هذهِ الكلماتِ , لكنَّني مصرٌّ على الكتابةِ لأنَّ
مدرّسَ اللغةِ العربيّةِ قالَ لنا اليومَ أنْ نكتبَ حينَ لانجدُ مَنْ يُصغي
إلينا !
أعلمُ
يا أمّي أنكِ كنتِ دوماً خيرَ من يستمعُ إليَّ .. تصغينَ لكلِّ كلمةٍ ,
لكلِّ آهٍ , لكلِّ تنهيدةٍ .. وتبتدعينَ حلولاً سريعةً ومناسبةً لكلِّ
المشكلاتِ .. تحضنينني إِنْ بكيتُ , وتمسحينَ دموعيَ و تستنشقينني حتّى
الصميمِ .. تبعثينَ في نفسيَ أملاً بتجدُّدِ الحياةِ كلَّما ظننتُ أنَّ
الحياةَ قَدِ انتهتْ !
أنتِ
ليَ الملجأُ والملاذُ مِنْ كلِّ الأخطارِ والشرورِ .. إنَّ ضمّةً إلى
الصَّدرِ الدافئِ تبعثُ في القلبِ نشوةً لا توصفُ .. أَذكُرُ على الدَّوامِ
إشراقَ وجهِكِ يُوقظُني صباحاً ويحثُّني على النهوضِ استعداداً للذَّهابِ
إلى المدرسةِ .. أَذكُرُ لـَمْساتِكِ المداعبةَ لشعريَ وجبينيَ وخدّيَّ
عندَ استلقائيَ على الفراشِ مساءً .. أَذكُرُ سهرَكِ وقلقَكِ عندَ مرضي ,
ومواظبَتَكِ على إعطائيَ الدواءَ في مواعيدِهِ المحدَّدةِ بانتظامٍ في حين
كنتُ أَنسى أو أَتناسى ذلكَ .
مَنْ
سيكونُ ملاذيَ الآنَ ؟ مَنْ سيقومُ بكلِّ ما كنتِ تفعلينَ لأجلي ؟ أرجوكِ
يا أمّاهُ أَنْ تصحي مِنْ هذهِ الغيبوبةِ ! عودي إليَّ كما كنتِ .. لا
أستطيعُ الاستمرارَ في العيشِ مِنْ دونِ سماعِ صوتِكِ ورؤيتِك تملئين فراغَ
بيتِنا الذي أصبحَ الآنَ مهجوراً.
أُمّي
الجميلةَ .. لقدْ أخبرتُكِ بكلِّ هذا في أولِ يومٍ لمرضِكِ لكنَّ الطبيبَ
أبعدني عَنْ سريرِكِ وقالَ إنّكِ لنْ تسمعي شيئاً ! هَلْ حقاً أنــَّكِ لا
تسمعينَ ؟
أُمّاهُ
.. أتضرّعُ إلى اللهِ أَنْ يُزيحَ عنكِ هذا الكابوسَ الرهيبَ وأُصلّي
لأجلِ أَنْ يتقبَّلَ دُعائي ويعيدَكِ ليَ سالمةً من كلِّ مرضٍ! وأُريدُ
أَنْ أُخبرَكِ أيضاً بأنَّ الطبيبَ توقّعَ أنْ تجتازي هذهِ الغيبوبةَ خلالَ
بضعةِ أيّامٍ , لكنَّني سمعتُهُ يهمسُ لخالتي جهينة بأنَّ الأملَ مفقودٌ
في مثلِ حالتِكِ ! هَلْ يعني هذا أنـَّكِ ستبقيْنَ على هذا النحوِ للأبدِ ؟
أجيبيني أرجوكِ !
أُمّي
.. سمعتُ بعضاً من كلامِ الأطبَّاءِ قبلَ أنْ يخرجوني مِنَ الغرفةِ .. لقدْ
أَمسكَ أحدُهم بصورةٍ شعاعيّةٍ وقالَ لآخرَ : " لاحظْ هذا الورمَ الذي
يضغطُ على المراكزِ الحسّيَّةِ " .. لَمْ أفهمْ ما معنى هذا لكنَّ خالتي
قالتْ بأنَّ هذهِ الأورامَ طبيعيّةٌ عندَ كلِّ الناسِ وهي تزولُ بعدَ فترةٍ
وجيزةٍ مثلما يَزولُ الورمُ الذي تسبّبُهُ لسعةُ حَشَرةٍ سامَّةٍ ! هَلْ
هذا صحيحٌ أم أنـَّها لا تقولُ الحقيقةَ ؟ وإنْ كانتْ هذه هي الحقيقةُ
فلماذا أراها تبكي كلما نظرتْ إليكِ ؟
أُمّي
الجميلةَ .. لقدِ اتّصلَ بيَ والدي اليومَ وأخبرَني بأنّهُ سيَصِلُ غداً ,
وهذا ما زادَ مِنْ قلقي .. لماذا يحضُرُ مِنَ البرازيلِ إنْ لَمْ يكنِ
الأمرُ خطيراً ؟
الجميعُ هنا يعتبرُني طفلاً صغيراً ولا يخبرونني بالحقيقةِ بصدقٍ ! هلْ كنتِ ستفعلينَ ذلكَ لو كنتِ صاحيةً ؟ أَعدُكِ
يا أُمّي أنْ أُجِدَّ في دروسيَ لأكونَ كما تمـنَّـيْتِ لي أنْ أكونَ,
طبيباً مختصَّاً بأمراضِ السَّرطانِ .. أَعدُكِ يا أمّي أنْ أُطيعَ جميعَ
مدرّسيَّ وأَبي وخَالتي وعمَّاتي وأَنْ أُساعدَ أَبي في أعمالِ المنزلِ
ريثما تعودينَ إلينا .. وستفخرينَ بابنكِ الذي صنعتِهِ وكوَّنـْـتِهِ !
وأخيراً
سأضعُ هذه الرسالةَ تحتَ وسادتِكِ لتكونَ أوّلَ شيءٍ تقرئينَهُ عِنْدَ
استيقاظِكِ , ولنْ أُتعبَكِ في كتابةِ الرَّدِّ , فلا أريدُ منكِ سوى
قراءةِ كلماتي والابتسامِ لي لدى رؤيتي !
أُحبُّكِ ... ماجد "